الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ : يَا زَانِيَةٌ فَقَالَتْ : زَنَيْتُ مَعَك , أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ , فَقَالَ : أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لأََمَتِهِ : يَا زَانِيَةٌ , فَقَالَتْ : زَنَيْتُ بِك , قَالَ : تُجْلَدُ تِسْعِينَ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي حُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ فِي امْرَأَةٍ حُرَّةٍ قَالَتْ لأَخَرَ : زَنَيْت بِك , قَالَ : تُجْلَدُ حَدَّيْنِ قال أبو محمد : إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ , أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ : زَنَيْت بِك , فَهَذَا اعْتِرَافٌ مُجَرَّدٌ بِالزِّنَا وَلَيْسَ قَذْفًا ; لأََنَّهُ مَنْ قَالَ هَذَا اللَّفْظَ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ , أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ الْمَقُولِ لَهُ بِزِنًا أَصْلاً , وَقَدْ يَزْنِي الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَهِيَ سَكْرَى , أَوْ مَجْنُونَةٌ , أَوْ مَغْلُوبَةٌ , أَوْ وَهِيَ جَاهِلَةٌ وَهُوَ عَالِمٌ , وَتَزْنِي الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ كَذَلِكَ. وَكَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَإِذَا بِهَا حُرَّةٌ , فَهِيَ زَانِيَةٌ , وَلَيْسَ هُوَ زَانِيًا فَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ إنْ قَالَهُ مُعْتَرِفًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا فَقَطْ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ , وَإِنْ قَالَهُ لَهَا شَاتِمًا فَلَيْسَ قَاذِفًا ، وَلاَ مُعْتَرِفًا , فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ لاَ لِلزِّنَى ، وَلاَ لِلْقَذْفِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ لِلأَذَى فَقَطْ. فَلَوْ قَالَ لَهَا : زَنَيْنَا مَعًا , أَوْ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ , فَهَذَا إنْ كَانَ قَالَهُ شَاتِمًا فَهُوَ قَذْفٌ صَحِيحٌ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ فَقَطْ , وَإِنْ قَالَهُ مُعْتَرِفًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا فَقَطْ. وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ قَالَتْ ذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَرَبِيعَةَ , قَالاَ جَمِيعًا فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ : إنِّي أَرَاك زَانِيًا , فَقَالَ لَهُ الآخَرُ : أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي وَهُمَا عَفِيفَانِ فَإِنَّهُمَا يُجْلَدَانِ الْحَدَّ مَعًا زَادَ رَبِيعَةُ : لاَ يَكُونُ رَجُلٌ أَزْنَى مِنْ رَجُلٍ حَتَّى يَكُونَ زَانِيًا وقال مالك : يُضْرَبَانِ الْحَدَّ جَمِيعًا. قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ " لاَ يَكُونُ رَجُلٌ أَزْنَى مِنْ رَجُلٍ حَتَّى يَكُونَ زَانِيًا " فَخَطَأٌ , وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَلَيْسَ فِي شَرْطٍ لِغَيْرِ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ الثِّقَةِ , وَلاَ فِي غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدِّينِ شَيْءٌ مِنْ الْحَقِّ. وَأَمَّا السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَهُمَا دَاخِلاَنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَدْلُ اللَّهِ تَعَالَى , فَنَظَرْنَا فِي هَذَا : فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ لأَخَرَ : أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي , لَيْسَ فِيهِ اعْتِرَافٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا , وَإِنَّمَا هُوَ قَذْفٌ صَحِيحٌ , فَوَاجِبٌ جَلْدُهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فِيمَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلاَنًا اسْتَكْرَهَهَا قَالَ عَلِيٌّ : حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ قَالاَ جَمِيعًا : فِي امْرَأَةٍ قَذَفَتْ رَجُلاً بِنَفْسِهَا أَنَّهُ غَلَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا , وَالرَّجُلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ , وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ : فَإِنَّهَا تُضْرَبُ حَدَّ الْفِرْيَةِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا قَتَادَةُ أَنَّ رَجُلاً اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً فَصَاحَتْ فَجَاءَ مُؤَذِّنٌ فَشَهِدَ لَهَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنَّهُ سَمِعَ صِيَاحَهَا , فَلَمْ يَجْلِدْهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَنَّهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : إنَّ فُلاَنًا اسْتَكْرَهَنِي عَلَى نَفْسِي فَقَالَ : هَلْ سَمِعَكِ أَحَدٌ أَوْ رَآك قَالَتْ : لاَ , فَجَلَدَهَا بِالرَّجُلِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ , أَوْ إِسْحَاقُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ تَقُولُ : إنَّ فُلاَنًا أَكْرَهَنِي عَلَى نَفْسِي قَالَ : إنْ كَانَ لَيْسَ مِمَّا يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ ; جُلِدَتْ الْحَدَّ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ قال أبو محمد رحمه الله : هَاهُنَا يَرَوْنَ عَلَيْهِ السِّجْنَ الطَّوِيلَ , وَالأَدَبَ , وَغُرْمَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَهَذِهِ أَقْوَالٌ تَدُورُ عَلَى وُجُوهٍ : إمَّا جَلْدُهَا حَدَّ الْقَذْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ. وَأَمَّا إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْهَا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ : أَنَّهُ سَمِعَ صِيَاحَهَا فَقَطْ وَهُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِلَّا فَتُجْلَدُ. وَأَمَّا أَنْ يَدْرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ بِأَنْ يُرَى مَعَهَا خَالِيًا , وَيُؤَثِّرَ فِيهِ أَثَرًا , أَوْ يَسْمَعَ صِيَاحَهَا وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , وَزَادَ : أَنْ يُعَاقِبَ الرَّجُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ إنْ ظَهَرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا , وَإِلَّا فَالْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدُّ الْقَذْفِ. وَأَمَّا أَنْ يَنْظُرَ , فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَافِيَةِ جُلِدَ حَدَّ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا , وَيُسْجَنُ هُوَ وَيُطَالُ سِجْنُهُ , وَيَغْرَمُ مَهْرَ مِثْلِهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ ; لأََنَّهُ فَرَّقَ فِي الأَدِّعَاءِ بَيْنَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْخَيْرِ , وَالْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ , وَلَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ رَجُلاً يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى آخَرَ , وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ : فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَلَوْ أَنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَقَدْ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلِيٌّ وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ ، وَابْنُ عُمَرَ , وَغَيْرُهُمْ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ أَحَدَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ , وَلاَ أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ , وَالدَّعْوَى بِجَحْدِ الْمَالِ , وَالظُّلْمِ , وَالْغَصْبِ كَالدَّعْوَى بِالْغَلَبَةِ فِي الزِّنَا , وَلاَ فَرْقَ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ , وَمَعْصِيَةٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أُعْطِيَ قَوْمٌ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَقَالَ عليه السلام لِصَاحِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اخْتَصَمَا بَيِّنَتُك أَوْ يَمِينُهُ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ , وَمَالِكٌ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا بَرًّا فَاضِلاً عَدْلاً وَلَوْ أَنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، : ادَّعَى مَالاً عَلَى يَهُودِيٍّ , أَوْ نَصْرَانِيٍّ , وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ , أَوْ النَّصْرَانِيَّ : يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ , وَأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ لاَُحْلِفَ لَهُ , فَكَيْفَ يَقْضِي لَهَا بِدَعْوَاهَا , فَيُغَرِّمَهُ مَهْرَهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فَاسِقٌ , وَلاَ فَاسِقَ أَفْسَقُ مِنْ كَافِرٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَافِرُونَ هُمْ الْفَاسِقُونَ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الْخَطَأِ وَثَالِثٌ وَهُوَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالسِّجْنِ وَالْعُقُوبَةِ دُونَ بَيِّنَةٍ وَهَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَرَابِعٌ هُوَ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يُصَدِّقُهَا أَوْ يُكَذِّبُهَا , وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَإِنْ كَانَ يُصَدِّقُهَا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا حَدَّ الزِّنَا وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ وَضَيَّعَ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى , وَإِنْ كَانَ يُكَذِّبُهَا فَبِأَيِّ مَعْنًى يَسْجُنُهُ وَيُغَرِّمُهُ مَهْرَ مِثْلِهَا , فَيُؤَكِّلَهَا الْمَالَ بِالْبَاطِلِ , وَيَأْخُذَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَخَامِسٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَتْ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالْعَافِيَةِ : جَلَدَهَا حَدَّ الْقَذْفِ , وَإِنْ مَكَثَتْ , فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ : رَجَمَهَا إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَهَذَا ظُلْمٌ مَا سُمِعَ بِأَشْنَعَ مِنْهُ , وَحَرَجٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِيهِ , وَلاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ قَبْلَ مَالِكٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد رحمه الله : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فإن قال قائل : فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَاقْضُوا عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بِهَذَا الْخَبَرِ قلنا : وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ إنَّ دَعْوَاهَا انْتَظَمَ حَقًّا لَهَا وَحَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى , لَيْسَ لَهَا فِيهِ دُخُولٌ ، وَلاَ خُرُوجٌ فَحَقُّهَا : التَّعَدِّي عَلَيْهَا وَظُلْمُهَا , وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى : هُوَ الزِّنَا , فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْلِفَ لَهَا فِي حَقِّهَا , فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَعَدَّيْت عَلَيْك فِي شَيْءٍ , وَلاَ ظَلَمْتُك وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا زَنَى ; لأََنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ أَحَدًا لاَ يَحْلِفُ فِي حَقٍّ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ. وَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ : إنَّك غَصَبْتنِي وَزَيْدًا دِينَارًا , فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ لَهُ فِي حَقِّهِ مِنْ الدِّينَارِ لاَ فِي حَقِّ زَيْدٍ , وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّمِّ وَالشَّكْوَى , فَإِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ ابْتِدَاءً أَوْ فِي كَلاَمٍ بَيْنَهُمَا يَا ظَالِمٌ , يَا غَاصِبٌ , أَنَّهُ مُسِيءٌ فَمِنْ قَائِلٍ : عَلَيْهِ الأَدَبُ , وَمِنْ قَائِلٍ : لأَخَرَ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ شَكَا بِآخَرَ فَقَالَ : ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ , أَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مُسِيئًا بِذَلِكَ فَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكْوَى وَبَيْنَ الأَعْتِدَاءِ بِالسَّبِّ وَالْقَذْفِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فِيمَنْ قَذَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ ذَكَرْنَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ حُكْمَ السَّكْرَانِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِشَيْءٍ أَصْلاً إِلاَّ حَدَّ الْخَمْرِ فَقَطْ , إِلاَّ أَنَّنَا نَذْكُرُ عُمْدَةَ حُجَّتِنَا فِي ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا : كَانَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قلنا : نَعَمْ , فَكَانَ مَاذَا وَالْأُمَّةُ كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الآيَةِ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ , وَأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِسَكْرَانَ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلاَةَ حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ. وَكَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فِي أَنَّ حَالَ السَّكْرَانِ فِي أَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ بَاقٍ كَمَا كَانَ لَمْ يُحِلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ صِفَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا : هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قلنا : نَعَمْ , وَهَذَا لاَ فَائِدَةَ لَكُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ : أَوَّلُهَا أَنَّ هَذَا تَعَلُّلٌ لاَ يُوجِبُ حُكْمًا ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ قُرْآنٌ , وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ الثَّانِي إنَّا نَسْأَلُكُمْ عَمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ , فَفُتِحَ فَمُهُ كَرْهًا بِأَكَالِيبَ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ , فَإِنَّ هَذَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ , وَلاَ فِي أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ , فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عِنْدَكُمْ بِخِلاَفِ حُكْمِ مَنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ , فَلاَ تُلْزِمُوا هَذَا الْمُكْرَهَ شَيْئًا مِمَّا قَالَ فِي ذَلِكَ السُّكْرِ , وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. وَالثَّالِثُ إنَّا نَسْأَلُكُمْ عَمَّنْ شَرِبَ الْبَلاَذِرَ فَجُنَّ , أَوْ تَزَيَّدَ فَقُطِعَ عَصَبُ سَاقَيْهِ فَأُقْعِدَ , أَيَكُونُ لِذَلِكَ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الْمَجَانِينَ فِي سُقُوطِ جَمِيعِ الأَحْكَامِ عَنْهُ , أَوْ تَكُونُ الأَحْكَامُ لاَزِمَةً لَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَلْ يَكُونُ لِلَّذِي أَبْطَلَ سَاقَيْهِ عَمْدًا أَوْ أَشَرًا وَمَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمُ الْمُقْعَدِ فِي الصَّلاَةِ وَسُقُوطِ الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمْ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ إدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَمِنْ قَوْلِهِمْ بِلاَ خِلاَفٍ إنَّ لَهُمَا حُكْمَ سَائِرِ الْمَجَانِينَ , وَسَائِرِ الْقَاعِدِينَ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّ السَّكْرَانَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ حَمْزَةَ رضي الله عنه قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ : هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبَائِي وَهُوَ سَكْرَانُ فَلَمْ يُعَنِّفْهُ عَلَى ذَلِكَ , وَلَوْ قَالَهَا صَحِيحًا لَكَفَرَ بِذَلِكَ , وَحَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا ذَهَبَ تَمْيِيزُهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لاَ فِي الْقَذْفِ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ ; لأََنَّهُ مَجْنُونٌ لاَ عَقْلَ لَهُ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إذَا شَرِبَ سَكِرَ , وَإِذَا سَكِرَ هَذَى , وَإِذَا هَذَى افْتَرَى , وَإِذَا افْتَرَى جُلِدَ ثَمَانِينَ قلنا : حَاشَى لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبٌ هَذَا الْكَلاَمَ الْفَاسِدَ هُمْ وَاَللَّهِ , أَجَلُّ , وَأَعْقَلُ , وَأَعْلَمُ , مِنْ أَنْ يَقُولُوا هَذَا السُّخْفَ الْبَاطِلَ , وَيَكْفِي مِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ هَذَى فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ , وَلَوْ كَفَرَ , أَوْ قَذَفَ , فَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ , وَأَحْضَرُ مُبْطِلٍ لِحُكْمِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَسَنَتَكَلَّمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إبْطَالِ هَذَا الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ إسْنَادِهِ , وَمِنْ تَخَاذُلِهِ وَفَسَادِهِ فِي كَلاَمِنَا فِي " حَدِّ الْخَمْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا : وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ , وَلَعَلَّهُ تَسَاكَرَ قِيلَ لَهُمْ : قُولُوا هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْمَجْنُونِ : وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ , وَلَعَلَّهُ مُتَحَامِقٌ , وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ هَذَا , بَلْ تُسْقِطُونَ عَنْهُ الأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ , فَالْحَالُ الَّتِي تُدْرَى فِي الْمَجْنُونِ أَنَّهُ مَجْنُونٌ , بِمِثْلِهَا يُدْرَى فِي السَّكْرَانِ أَنَّهُ سَكْرَانُ ، وَلاَ فَرْقَ وَهِيَ : إنَّهُ إذَا بَلَغَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ التَّخْلِيطِ فِي كَلاَمِهِ وَأَفْعَالِهِ حَيْثُ يُوقَنُ أَنَّهُ لاَ يَبْلُغُهُ مِنْ نَفْسِهِ الْمُمَيِّزَ الصَّاحِي حَيَاءً مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ فَهَذَا بِلاَ شَكٍّ أَحْمَقُ , وَسَكْرَانُ , كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الأَبُ يَقْذِفُ ابْنَهُ , أَوْ أُمَّ عَبِيدِهِ , أَوْ أُمَّ ابْنِهِ قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ ابْنَهُ وَأَوْجَبَ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ : مَالِكٌ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ حَدَّ عَلَى الأَبِ فِي ذَلِكَ : كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبِ الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إذَا افْتَرَى الأَبُ عَلَى الأَبْنِ فَلاَ يُحَدُّ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ : لَيْسَ عَلَى الأَبِ لأَبْنِهِ حَدٌّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَأَصْحَابُهُمْ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الأَبِ يَقْذِفُ ابْنَهُ : إنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ الدَّرْءَ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَزْنِي وَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَتَقْتُلُ وَلَدَهَا : إنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهَا الْحَدُّ قال أبو محمد رحمه الله : فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ الأَبُ لأَبْنِهِ : فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَى الأَبَوَيْنِ بِأَنْ لاَ يُقَالَ لَهُمَا : أُفٍّ , وَلاَ يُنْهَرَا , وَيُخْفَضَ لَهُمَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ : فَحَقٌّ لاَ يَحِيدُ عَنْهُ مُسْلِمٌ , وَلَيْسَ يَقْتَضِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْهُ فِي الْقَذْفِ لِوَلَدِهِ ; لأََنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي أَنَّ إمَامًا لَهُ وَالِدٌ قَدِمَ إلَيْهِ فِي قَذْفٍ , أَوْ فِي سَرِقَةٍ أَوْ فِي زِنًا , أَوْ فِي قَوَدٍ , فَإِنْ فَرَضَا عَلَى الْوَلَدِ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى وَالِدِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ عَنْهُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ , وَالْبِرِّ , وَأَنْ لاَ يَنْهَرَهُ , وَلاَ يَقُلْ لَهُ : أُفٍّ , وَأَنْ يَخْفِضَ لَهُ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ , وَأَنْ يَشْكُرَ لَهُ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ تَعَالَى وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ ذَا الْقُرْبَى يُحَدُّ فِي قَذْفِ ذِي الْقُرْبَى ، وَأَنَّ ذَلِكَ لاَ يُضَادَّ الْإِحْسَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ , بَلْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَمِنْ دُونِهِمَا إحْسَانٌ إلَيْهِمَا وَبِرٌّ بِهِمَا ; لأََنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَوْلاَهُ لَمْ يَجِبْ بِرُّهُمَا. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ إسْقَاطَ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ عَنْ الْوَالِدِ حَدَّ الزِّنَا فِي زِنَاهُ بِأَمَةِ وَلَدِهِ , وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ عَنْهُ حَدَّ السَّرِقَةِ فِي سَرِقَةِ مَالِ وَلَدِهِ , وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ عَنْهُ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ , وَجَرْحِهِ إيَّاهُ فِي أَعْضَائِهِ فَهَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ , وَنَصْرٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ , وَاحْتِجَاجٌ مِنْهُ لِقَوْلٍ لَهُمْ فَاسِدٍ , بِقَوْلٍ لَهُمْ آخَرَ فَاسِدٍ , لاَ يُتَابَعُونَ عَلَيْهِ , وَلاَ أَوْجَبَهُ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ , بَلْ الْحُدُودُ وَالْقَوَدُ وَاجِبَانِ عَلَى الأَبِ لِلْوَلَدِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمَّا سَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْبُرْهَانِ رَجَعْنَا إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي , فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : لاَ عَفْوَ عَنْ الْحُدُودِ , وَلاَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تَبْلُغَ الْإِمَامَ فَإِنَّ إقَامَتَهَا مِنْ السُّنَّةِ. فَهَذَا قَوْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَقَدْ خَالَفُوهُ هَاهُنَا ; لأََنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَمَّ جَمِيعَ الْحُدُودِ , وَلَمْ يَخُصَّ قال أبو محمد رحمه الله : وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا : فِيمَنْ قَذَفَ أُمَّ ابْنِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابُهُ : لَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَأْخُذَ أَبَاهُ بِذَلِكَ. وقال مالك : لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابُهُمَا : فِيمَنْ قَذَفَ أُمَّ عَبْدٍ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا : لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ. وَالْكَلاَمُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْكَلاَمِ فِي الَّتِي قَبْلَهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ : حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى , لاَ لِلْمَقْذُوفِ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَامَ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِجَلْدِ الْقَاذِفِ ثَمَانِينَ , لَمْ يَشْتَرِطْ بِهِ قَائِمًا مِنْ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهِ , فَكَانَ تَخْصِيصُ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الْقَائِمِينَ بِهِ دُونَ بَعْضٍ قَوْلاً فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , وَهُوَ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَهُمْ , مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قَالَ بِهِ , وَلاَ لَهُ حُجَّةٌ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ. وَلاَ إجْمَاعٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ مَعْنًى وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قال أبو محمد رحمه الله : وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الْجَدِّ إذَا قَذَفَ وَلَدَ الْوَلَدِ , كَالْحُكْمِ فِي قَاذِفِ الأَبَوَيْنِ الأَدْنَيْنِ. وَالْعَجَبُ بِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ حُكْمِ الْوَلَدِ وَبَيْنَ حُكْمِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْمُرْتَدِّ , فَجَعَلُوا وَلَدَ الْمُرْتَدِّ يُجْبَرُ عَلَى الإِسْلاَمِ ، وَلاَ يُقْتَلُ , وَجَعَلُوا وَلَدَ وَلَدِهِ لاَ يُجْبَرُ ، وَلاَ يُقْتَلُ. وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , وَالشَّافِعِيُّ , بَيْنَ الأَبِ فِي الْمِيرَاثِ وَبَيْنَ الْجَدِّ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ التَّنَاقُضُ هَاهُنَا فَسَوَّوْا بَيْنَ الأَبِ وَالْجَدِّ , وَبَيْنَ الأَبْنِ وَابْنِ الأَبْنِ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ نَازَعَ آخَرَ , فَقَالَ لَهُ : الْكَاذِبُ بَيْنِي وَبَيْنَك ابْنُ زَانِيَةٍ أَوْ قَالَ : وَلَدُ زِنًا , أَوْ زَنِيمٌ , أَوْ زَانٍ فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ : لاَ حَدَّ عَلَيْهِ قال أبو محمد : إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مُبْتَدِئًا قَبْلَ أَنْ يُنَازِعَهُ الآخَرُ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَائِلِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ بَعْدُ أَحَدًا , وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ بِلاَ شَكٍّ , فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ; لأََنَّ الْمُنَازِعَ لَهُ كَاذِبٌ عِنْدَهُ بِلاَ شَكٍّ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ : مَنْ حَضَرَ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَ، هُوَ ابْنُ زَانِيَةٍ وَقَدْ كَانَ حَضَرَ مِنْ هُنَالِكَ أَحَدٌ : فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ بِلاَ شَكٍّ , فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ إذَا لَفَظَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا , أَوْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَصِيرَ قَاذِفًا وَهُوَ سَاكِتٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا إذَا نَطَقَ وَهَذَا بَاطِلٌ , لاَ خَفَاءَ بِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً وَامْرَأَتَهُ , ثُمَّ زَنَتْ الأَجْنَبِيَّةُ وَامْرَأَتُهُ بَعْدَ الْقَذْفِ , فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ كَامِلاً لِلأَجْنَبِيَّةِ ، وَلاَ بُدَّ وَيُلاَعِنُ ، وَلاَ بُدَّ إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ حَمْلَ زَوْجَتِهِ , أَوْ إنْ ثَبَتَ عَلَيْهَا الْحَدُّ , فَإِنْ أَبَى وَقَدْ جُلِدَ لِلأَجْنَبِيَّةِ فَالْحَمْلُ لاَحِقٌ بِهِ , وَلاَ شَيْءَ عَلَى زَوْجَتِهِ لاَ لِعَانَ , وَلاَ حَدَّ , وَلاَ حَبْسَ ، وَلاَ عَلَيْهِ بَعْدُ ; لأََنَّهُ قَدْ حُدَّ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يُجْلَدْ , لاَعَنَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ الْحَمْلَ عَنْهُ , فَإِنْ أَبَى جُلِدَ الْحَدَّ فَإِنْ الْتَعَنَ وَالْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ : جُلِدَ حَدَّ الزِّنَا. وَجُمْلَةُ هَذَا أَنَّ مَنْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ ثُمَّ زَنَى الْمَقْذُوفُ : لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ الزِّنَا مَا قَدْ وَجَبَ مِنْ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِهِ ; لأََنَّهُ زِنًا غَيْرُ الَّذِي رَمَاهُ بِهِ , فَهُوَ إذَا رَمَى رَامٍ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً : فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلاَ بُدَّ ، وَلاَ يَسْقُطُ حَدٌّ قَدْ وَجَبَ إِلاَّ بِنَصٍّ , أَوْ إجْمَاعٍ , وَلاَ نَصَّ , وَلاَ إجْمَاعَ هَاهُنَا أَصْلاً عَلَى سُقُوطِهِ , بَعْدَ وُجُوبِهِ بِنَصٍّ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الزَّوْجَةِ ، وَلاَ فَرْقَ : أَنَّهُ يُجْلَدُ لَهَا لِلْقَذْفِ وَإِنْ زَنَتْ إِلاَّ أَنْ يُلاَعِنَ , وَتُحَدُّ هِيَ لِلزِّنَى ، وَلاَ بُدَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ قَالَ لأَخَرَ : يَا زَانٍ فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ : صَدَقْت , أَوْ قَالَ : نَعَمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ إِلاَّ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ قَالُوا : لاَ حَدَّ عَلَى الْقَائِلِ : صَدَقْت قَالُوا : فَلَوْ قَالَ لَهُ : صَدَقْت , هُوَ كَمَا قُلْت حُدَّا جَمِيعًا قَالَ زُفَرُ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ : يُحَدَّانِ جَمِيعًا قال أبو محمد رحمه الله : لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ فِي قَوْلٍ لَهُ : صَدَقْت , يُمْكِنُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي غَيْرِ رَمْيِهِ بِالزِّنَا قِيلَ لَهُ : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : صَدَقْت , هُوَ كَمَا قُلْت مُمْكِنٌ أَنْ يَعْنِيَ بِذَلِكَ قَوْلاً آخَرَ قَالَهُ هَذَا الْقَاذِفُ مِنْ غَيْرِ الْقَذْفِ , وَلاَ فَرْقَ. قال أبو محمد رحمه الله : وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ إنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْقَائِلَ : صَدَقْت , أَوْ نَعَمْ , أَوْ هُوَ كَمَا قُلْت , أَوْ إي وَاَللَّهِ : أَنَّهُ سَمِعَ الْقَذْفَ وَفَهِمَهُ , فَهُوَ مُقِرٌّ بِلاَ شَكٍّ , وَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَكَذَلِكَ مَنْ قِيلَ لَهُ : أَبِعْت دَارَك مِنْ زَيْدٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ : نَعَمْ , أَوْ قَالَ : صَدَقْت , أَوْ قَالَ : إي وَاَللَّهِ , أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا : فَإِنَّهُ إقْرَارٌ صَحِيحٌ بِلاَ شَكٍّ أَوْ قَالَ ذَلِكَ مُجَاوِبًا لِمَنْ قَالَ لَهُ : طَلَّقْت امْرَأَتَك , أَوْ أَنْكَحْت فُلاَنَةَ , أَوْ وَهَبْت امْرَأً كَذَا وَكَذَا. فَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ وَقَعَ شَكٌّ أَسَمِعَ الْقَذْفَ , أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَفَهِمَهُ , أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ : فَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ ; لأََنَّهُ قَدْ بَهُمَ وَيَظُنُّ ، أَنَّهُ قَالَ كَلاَمًا آخَرَ. وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُسْتَبَاحَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلاَّ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ قَالَ لأَخَرَ : فَجَرْتَ بِفُلاَنَةَ , أَوْ قَالَ : فَسَقْت بِهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيَّ , وَأَصْحَابَهُمَا قَالُوا : لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ قال أبو محمد رحمه الله : إنْ كَانَ لِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَجْهٌ غَيْرُ الزِّنَا فَكَمَا قَالُوا , وَإِنْ كَانَ لاَ يُفْهَمُ مِنْهُمَا غَيْرُ الزِّنَا فَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا نَظَرْنَا فِيهِمَا وَجَدْنَاهُمَا يَقَعَانِ عَلَى إتْيَانِهَا فِي الدُّبُرِ فَسَقَطَ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : جَامَعْتهَا حَرَامًا , وَلاَ فَرْقَ قَالَ عَلِيٌّ : فَلَوْ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِفًا بِالزِّنَا كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ قَالَ لأَخَرَ : زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ قَالَ لأَمْرَأَةٍ : زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَصِيحٍ : حُدَّ ، وَلاَ بُدَّ. وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا يُحْسِنُ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ سُئِلَ : مَنْ خَاطَبْت فَإِنْ قَالَ : خَاطَبْت غَيْرَهَا , أَوْ قَالَ : خَاطَبْت غَيْرَهُ , فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; لأََنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِهِ ; لأََنَّ خِطَابَ الْمُؤَنَّثِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَسْرِ التَّاءِ , فَإِذَا خَاطَبَهَا بِفَتْحِ التَّاءِ فَلَمْ يُخَاطِبْهَا , وَخِطَابُ الرَّجُلِ بِفَتْحِ التَّاءِ , فَإِذَا خَاطَبَهُ بِكَسْرِهَا فَلَمْ يُخَاطِبْهُ وَإِنْ أَقَرَّ : أَنَّهُ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ , حُدَّ ; لأََنَّهُ حِينَئِذٍ قَاذِفٌ لَهَا بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ زَنَى الْمَقْذُوفُ وَعُرِفَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ فَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ طَلَبُهُ بِذَلِكَ الْحَدِّ إِلاَّ مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ : لَهُ طَلَبُهُ قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ بَيِّنُ الْحَوَالَةِ لاَ خَفَاءَ بِهِ ; لأََنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ عُرِفَ صِدْقُهُ فِي الْقَذْفِ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ , فَإِذَا عَرَفَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ قَاذِفَهُ صَادِقٌ فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ , فَمُطَالَبَتُهُ إيَّاهُ ظُلْمٌ بِيَقِينٍ , وَإِبَاحَةُ طَلَبِهِ لَهُ إبَاحَةٌ لِلظُّلْمِ الْمُتَيَقَّنِ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شُهُودٍ سَمِعُوا الْقَاذِفَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ بِلاَ خِلاَفٍ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالْقَذْفِ ; لأََنَّ شَهَادَتَهُمْ تُؤَدِّي إلَى الظُّلْمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَقَتَلَ أَبُوهُ إنْسَانًا ظُلْمًا , وَأَخَذَ مَالَهُ ظُلْمًا , فَأَتَى وَلَدُ الْمَقْتُولِ الْمَأْخُوذِ مَالُهُ فَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ , وَأَخَذَ مَالَهُ الَّذِي كَانَ لأََبِيهِ , فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِوَلَدِ هَذَا الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ : بِأَنْ يَطْلُبَ الْمُسْتَقِيدَ لاَ بِدَمٍ , وَلاَ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ , وَاسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ بِحَقٍّ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا : إنَّهُ قَدْ آذَاهُ قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ فِي الأَذَى حَدٌّ , وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ. قال أبو محمد رحمه الله : مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَأَخَذَ فِي اللِّعَانِ , فَلَمَّا شَرَعَ فِيهِ وَمَضَى بَعْضُهُ أَقَلُّهُ , أَوْ أَكْثَرُهُ , أَوْ جُلُّهُ أَعَادَ قَذْفَهَا قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ هِيَ الْتِعَانَهَا , فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ اللِّعَان ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَقَالَ تَعَالَى فأما إذَا تُيُقِّنَ كَذِبُهُ فَلاَ يَحِلُّ تَعْطِيلُ وَاجِبِ حَدِّ اللَّهِ عَنْهُ , وَلاَ يَحِلُّ عَوْنُهُ عَلَى الأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ الآثِمَةِ , وَلاَ يَحِلُّ أَمْرُهُ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً , أَوْ وُجِدَ يَطَأُ النِّسَاءَ الأَجْنَبِيَّاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ , أَوْ وُجِدَ يَسْرِقُ مَرَّاتٍ , أَوْ رُئِيَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مَرَّاتٍ , فَشَهِدَ بِكُلِّ ذَلِكَ , فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ فِي قَذْفِهِ مَنْ قَذَفَ إِلاَّ وَاحِدًا , أَوْ صَدَّقَهُ جَمِيعُهُمْ , إِلاَّ وَاحِدًا , فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّ الْحَدَّ فِي قَذْفِ أَلْفٍ أَوْ فِي قَذْفِ وَاحِدٍ : حَدٌّ وَاحِدٌ , وَلاَ مَزِيدَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أُولَئِكَ اللَّوَاتِي وُجِدَ يَطَأُهُنَّ إمَاؤُهُ إِلاَّ وَاحِدَةً , فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا بِأَلْفٍ , أَوْ فِي الزِّنَا بِوَاحِدَةٍ : حَدٌّ وَاحِدٌ , وَلاَ مَزِيدَ , عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى كُلِّ مَا سَرَقَ : أَنَّهُ مَالُهُ أَخَذَهُ حَاشَ بَعْضَ ذَلِكَ , فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّ الْحَدَّ فِي أَلْفِ سَرِقَةٍ , وَفِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ : حَدٌّ وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ , أَوْ كَانَ فِي ضَرُورَةٍ لِعِلاَجٍ أَوْ غَيْرِهِ , إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً : فَعَلَيْهِ جَلْدُ الأَرْبَعِينَ ، وَلاَ بُدَّ ; لأََنَّ الْحَدَّ فِي شُرْبِ أَلْفِ مَرَّةٍ , وَفِي جَرْعَةٍ : حَدٌّ وَاحِدٌ , كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|